الأربعاء، 19 يونيو 2013

قتلتني قتلك الله - شرف الكلمة


 
       هذا كان آخر ما نطق به أعظم شعراء العرب وأكثرهم حضوراً بأبياته في أمثال أمة العرب، أبو الطيب أحمد بن الحسين بن الحسن ابن عبد الصمد الجعفي الكندي والمعروف لنا بالمتنبي.
اما القصة فإنه قد وقع عداء بينه وبين الكثيرين من رؤوس العرب بسبب صراحته في هجائهم، وفي واحدة من أسفاره بين البلاد خرج عليه فاتك بن فراس بن بداد في عدد من الرجال وفاتك هو خال ضبة بن يزيد الأسدي العيني، الذي هجاه المتنبي بقصيدته البائية المعروفة، فلما رأي المتنبي الرجال استدار فاراً منهم لكثرتهم، وكان معه ابنه وغلام له، فناداه الغلام وهو ينكص فاراً، ياسيدي.. ألست أنت الذي تقول:

"الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم"

فثبت في مكانه وقال:" أنا عند ذاك" وكر عائداً وهو يصيح في الغلام: "قتلتني قتلك الله".
ثم قاتل وأصاب واحداً أو اثنين، فخانته قوائم فرسه، فغاصت إحداها في الأرض، فتمكن منه الفرسان وأحاطوا به وقتلوه وقتلوا ابنه وغلامه.

* مات المتنبي فداءً لشرف كلمته وفي سبيل مصداقيته، رجع وهو يعلم أنه هالك لكنه فضل الموت علي خيانة كلمة نطق بها من قبل. الموت مقابل أن تظل كلمته شريفة صدوقة، الموت فداء لكرامة صورته أمام العرب، الموت في مقابل شرف كلمة خرجت من فم رجل.
فما بال ساستنا اليوم لا يهتم منهم نفر أن تكون كلمته فاجرة الكذب مفضوحة الوضاعة ولا يلق بالاً لصورته أمام الناس وأمام التاريخ وهو يكذب بنهم ويهدر الكلمة والوعود والعهود واحداً بعد واحد، وما بالهم لا يأبهون لا لكرامة الكلمة ولا لشرف الرجال.
 
د. محمد زكريا الأسود